“الديانة الإبراهيمية”.. مشروع يثير الجدل ويحمل مخاطر على هوية الإسلام دون غيره


 

وكالة أنباء تركيا- علي ديمير

يشهد العالم في السنوات الأخيرة نقاشات محتدمة حول ما يُعرف بـ”الديانة الإبراهيمية”، وهو مشروع يقدَّم في الإعلام والمنصات السياسية والدينية العالمية على أنه دعوة إلى السلام والتقارب بين الأديان التوحيدية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية.


لكن خلف هذه الشعارات، يرى علماء شريعة ومفكرون أن المشروع يحمل في طياته خطورة بالغة على الهوية الإسلامية، وأنه يتجاوز فكرة التعايش الطبيعي والاحترام المتبادل بين أتباع الديانات إلى مسعى لتذويب الإسلام في إطار هجين يخدم أهدافاً سياسية واستراتيجية أكثر منها روحية أو إنسانية.


خلفية المشروع وأهدافه المعلنة


منذ الإعلان عن “وثيقة الأخوّة الإنسانية” في أبوظبي عام 2019، بدأ مصطلح “الديانة الإبراهيمية” يطفو على السطح.


فالمشروع وجد دعماً سياسياً من قوى كبرى كالولايات المتحدة وإسرائيل، ورعاية مباشرة من بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، إضافة إلى دعم مؤسسات دينية غربية بارزة كالفاتيكان وبعض الكنائس الأوروبية.


ويُسوَّق للمشروع بخطاب إنساني عام يركز على “السلام العالمي، الأخوّة، نبذ العنف والكراهية”، وهو خطاب في ظاهره مقبول وجاذب للرأي العام، غير أن جوهره ـ كما يقول معارضوه ـ يتمثل في محاولة إعادة تشكيل الدين الإسلامي بما يتناسب مع نظام عالمي جديد، يطمس الفوارق العقدية ويفرغ الدين من محتواه.


الشيخ عبد الرحمن الضحيك: تذويب الإسلام في خليط هجين


الشيخ عبد الرحمن الضحيك، وهو مفتي في مدينة حمص السورية، قدّم رؤية نقدية حادة لهذا المشروع، حيث قال في تصريحات لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “الديانة الإبراهيمية هو مشروع تقف خلفه قوى سياسية (أمريكا وإسرائيل)، مع دعم من بعض الدول العربية (خصوصًا الإمارات)، ومساندة من مؤسسات دينية غربية (الفاتيكان والكنائس)، ويتم تسويقه بخطاب “السلام والأخوة”، لكن جوهره تذويب الإسلام الحق وإضعاف الهوية الدينية لحساب مشروع سياسي عالمي”.


وأضاف “وهو مشروع يتجاوز مجرد الدعوة للتعايش أو الاحترام المتبادل بين الأديان، بل يُراد به أن يُذوَّب الإسلام الحق في خليط هجين من العقائد المتعارضة، بحيث يُلغى جانب التميّز العقدي والشرعي، ويُقدَّم دين مُخفَّف من الهوية والولاء والبراء، يصلح كإطار سياسي وثقافي لكنه لا يمثل الإسلام الذي أنزله الله تعالى”.


ويضيف الضحيك محدداً أبرز جوانب الخطورة:


طمس الفوارق العقدية: إذ يقرر الإسلام أن الحق واحد لا يتعدد، كما قال تعالى: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ”.

التسوية بين الحق والباطل: بوضع الإسلام واليهودية والنصرانية ـ بما تحويانه من تحريف ـ على قدم المساواة.

إفراغ الإسلام من مضمونه: بتحويله إلى مجرد قيم عامة وأخلاق إنسانية مشتركة، دون عقيدة ولا شريعة.

توظيف سياسي مباشر: حيث يُطرح المشروع في سياق التطبيع والتحالفات الإقليمية أكثر مما يُطرح كمسعى ديني صادق.

وشدد الضحيك على أن الإسلام دعا إلى الحوار بالحسنى والعدل مع المخالفين، لكنه لم يدعُ قط إلى إذابة العقائد أو التخلي عن الخصوصيات الشرعية. بل على العكس، أكد القرآن والسنة على التمسك بالوحي ووضوح الهوية الإسلامية، حسب تعبيره.


الشيخ محمد فرج قلب اللوز: لا وجود لدين اسمه “إبراهيمي”


من جانبه، عبّر الشيخ محمد فرج قلب اللوز، مدرس الشريعة الإسلامية، عن موقف أكثر وضوحاً في رفضه لهذا الطرح، قائلاً في تصريحات لـ “وكالة أنباء تركيا”، إن “الذي ينظر في هذه الديانة المزعومة التي سماها أعداء الدين الديانة الإبراهيمية ليعلم علم اليقين وبلا شك ولا ريب أن المراد فيها تمييع الدين الإسلامي العظيم الذي هو الدين الحق عند الله تبارك وتعالى كما قال عز شأنه: (إن الدين عند الله الإسلام) فهو الدين الحق الباقي إلى قيام الساعة والدين الذي سمح لكل إنسان أن يختار دينه دون إكراه بالإكراه أو الترك (لا إكراه في الدين)”.


وتابع قلب اللوز “فلا شيء عند الله اسمه الدين الإبراهيمي ويجب على كل مسلم أن يتمسك بدينه الحق ولا يحاول التماهي مع الأديان الأخرى حتى لا يضيع دينه ويخسر الدنيا والآخرة، وهذا لا يعني أن نعادي أصحاب الأديان الأخرى بل ديننا أمرنا أن نعطي صورة حسنة عنه بأخلاقنا وأفعالنا وحركاتنا ولكن دون أن نتنازل عن شيء من عقيدة ديننا أو مبادئه وأحكامه، وليكن شعارنا كما قال تعالى: (لكم دينكم ولي دين)”.


وختم بالقول “ديننا كامل لا يحتاج إلى تكميل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)”.


بين التعايش الحقيقي ومحاولات التذويب


يرى متابعون للشأن الديني أن أخطر ما في المشروع أنه يوظَّف سياسياً أكثر من كونه مشروعاً دينياً. فالقوى الكبرى تحاول استثمار الخطاب الديني لتبرير سياساتها في المنطقة، بينما تسعى بعض الحكومات إلى تقديم نفسها باعتبارها راعية لـ”السلام الإبراهيمي”، في الوقت الذي ترتبط فيه هذه الدعوات باتفاقيات تطبيع وتعاون أمني واقتصادي مع إسرائيل.


ويشير محللون إلى أن التعايش بين الأديان أمر لا يعارضه الإسلام، بل يحث على المعاملة الحسنة والعدل والاحترام، لكنه يرفض تمييع العقائد أو إلغاء الحدود الفاصلة بينها، فالتعايش شيء، والتذويب وفقدان الهوية شيء آخر.


المشروع المسمى بـ”الديانة الإبراهيمية” يطرح أسئلة كبرى على الساحة الفكرية والسياسية والدينية في العالم العربي والإسلامي. فبينما يراه البعض محاولة لتعزيز الأخوّة والسلام، يراه علماء الدين والمفكرون المعارضون مسعى خطيراً لتفريغ الإسلام من جوهره وتقديم نسخة مخففة تتماشى مع مشروع سياسي عالمي.


 وفي ظل هذه الجدالات، يبدو أن التحدي الأكبر أمام المسلمين هو التمسك بهويتهم وعقيدتهم مع الاستمرار في تقديم صورة إيجابية عن الإسلام عبر الأخلاق والممارسة، دون الوقوع في فخ التنازل عن ثوابت الدين.


 فالسلام الحقيقي لا يقوم على إذابة الخصوصيات الدينية، بل على الاحترام المتبادل والاعتراف بالاختلاف، وهو ما عبّر عنه القرآن الكريم بوضوح “لكم دينكم ولي دين”.

تعليقات